فصل: فصل في بيان فائدة موضع الفاء في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة}.
قال الفراء والزجاج: أي الزلزلة الشديدة.
وقال مجاهد والسدي: هي الصيحة، وجمع بين القولين بأنه يحتمل أنه أخذتهم الزلزلة من تحتهم والصيحة من فوقهم، وقال بعضهم: الرجفة خفقان القلب واضطرابه حتى ينقطع، وجاء في موضع آخر {الصيحة} [هود: 76] وفي آخر {بالطاغية} [الحاقة: 5] ولا منافاة بين ذلك كما زعم بعض الملاحدة فإن الصيحة العظيمة الخارقة للعادة حصل منها الرجفة لقلوبهم ولعظمها وخروجها عن الحد المعتاد تسمى الطاغية لأن الطغيان مجاوزة الحد، ومنه قوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَا الماء حملناكم} [الحاقة: 11] أو يقال: إن الإهلاك بذلك بسبب طغيانهم وهو معنى {بالطاغية} وهذا الأخذ ليس أثر ما قالوا ما قالوا بل بعد ما جرى عليهم ما جرى من مبادئ العذاب في الأيام الثلاث كما ستعلمه إن شاء الله تعالى والفاء لا تأبى ذلك.
{فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جاثمين} هامدين موتى لا حراك بهم، وأصل الجثوم البروك على الركب.
وقال أبو عبيدة: الجثوم للناس والطير بمنزلة البروك للإبل فجثوم الطير هو وقوعه لاطئًا بالأرض في حال سكونه بالليل، وأصبح يحتمل أن تكون تامة فجاثمين حال وأن تكون ناقصة فجاثمين خبر، والظرف على التقديرين متعلق به.
وقيل: هو خبر و{جاثمين} حال وليس بشيء لإفضائه إلى كونه الإخبار بكونهم في دارهم مقصودًا بالذات، والمراد من الدار البلد كما في قولك دار الحرب ودار الإسلام وقد جمع في آية أخرى فقال: {في ديارهم} [هود: 76] بإرادة منزل كل واحد الخاص به، وذكر النيسابوري أنه حيث ذكرت الرجفة وحدت الدار وحيث ذكرت الصيحة جمعت لأن الصيحة كانت من السماء كما في غالب الروايات لا من الأرض كما قيل فبلوغها أكثر وأبلغ من الزلزلة فقرن كل منهما بما هو أليق به فتدبر. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وجملة {فأخذتهم الرجفة}.
معترضة بين جملة {فعقروا الناقة} وبين جملة {فتولى عنهم} [الأعراف: 79] أريد باعتراضها التّعجيلُ بالخبر عن نفاذ الوعيد فيهم بعَقب عتوّهم، فالتّعقيب عرفي، أي لم يكن بين العقر وبين الرجفة زمن طويل، كان بينهما ثلاثة أيّام، كما ورد في آية سورة هود (65): {فعقروها فقال تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّام ذلك وعد غير مكذوب} وأصل الأخذ تناول شيءٍ باليد، ويستعمل مجازًا في مِلك الشيء، بعلاقة اللّزوم، ويستعمل أيضًا في القهر كقوله: {فأخذهم الله بذنوبهم} [الأنفال: 52]، {فأخذهم أخذة رابية} [الحاقة: 10] وأخذ الرّجفة: إهلاكُها إياهم وإحاطتها بهم إحاطة الآخِذ.
ولا شكّ أنّ الله نجّى صالحًا عليه السّلام والذين آمنوا معه، كما في آية سورة هود.
وقد روي أنّه خرج في مائة وعشرة من المؤمنين، فقيل: نزلوا رملة فلسطين، وقيل: تباعدوا عن ديار قومهم بحيث يرونها، فلمّا أخذتهم الرّجفة وهلكوا عاد صالح عليه السّلام ومن آمنَ معه فسكنوا ديارهم، وقيل: سكنوا مكّة وأنّ صالحًا عليه السّلام دفن بها، وهذا بعيد كما قلناه في عاد، ومن أهل الأنساب من يقول: إنّ ثقيفًا من بقايا ثمود، أي من ذرّية مَن نجا منهم من العذاب، ولم يذكر القرآن أنّ ثمودًا انقطع دابرهم فيجوز أن تكون منهم بقية.
والرّجفة: اضطراب الأرض وارتجاجها، فتكون من حوادث سماوية كالرّياح العاصفة والصّواعق، وتكون من أسباب أرضيّة كالزلازل، فالرّجفة اسم للحالة الحاصلة، وقد سمّاها في سورة هود بالصّيْحة فعلمنا أنّ الذي أصاب ثمود هو صاعقة أو صواعق متوالية رجفت أرضَهم وأهلكتهم صَعِقين، ويحتمل أن تقارنها زلازل أرضية.
والدّار: المكان الذي يحتلّه القوم، وهو يفرد ويجمع باعتبارين، فلذلك قال في آية سورة هود: {فأصبحوا في ديارهم جاثمين}.
{فأصبحوا} هنا بمعنى صاروا.
والجاثم: المُكِب على صدره في الأرض مع قبض ساقيه كما يجثو الأرْنب، ولمّا كان ذلك أشدّ سكونًا وانقطاعًا عن اضطراب الأعضاء استعمل في الآية كناية عن همود الجثّة بالموت، ويجوز أن يكون المراد تشبيه حالة وقوعهم على وجوههم حين صعِقوا بحالة الجاثم تفظيعًا لهيئة مِيتتهم، والمعنى أنّهم أصبحوا جثثا هامدة ميّتة على أبشع منظر لِمَيِّت. اهـ.

.قال الشعراوي:

{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)}.
والرجفة هي الهزة التي تحدث رجة في المهزوز. ويسميها القرآن مرة بالطاغية في قوله الحق: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بالطاغية} [الحاقة: 5].
والتي أصبحوا من بعدها {جاثمين}، وهو التعبير الدقيق الذي يدل على أن الواحد منهم إن كان واقفًا ظل على وقوفه، وإن كان قاعدًا ظل على قعوده، وإن كان نائمًا ظل على نومه. أو كما نقول: إنسخطوا على هيئاتهم.
فالجاثم هو من لزم مكانه فلم يبرح أو لصق بالأرض. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

قال في ملاك التأويل:
قوله تعالى في قصة صالح: {فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين} وكذا في قصة شعيب في السورة فيما بعد وفى سورة هود في القصة المذكورة قبل: {فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام} وقال في قصة شعيب في سورة هود أيضا: {وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين} فورد في هذه الآية الأخيرة تسمية عذابهم بالصحية وجمعه اسم الدار وفى الآيات قبل بالرجفة وإفراد الدار.
فأقول إن وجه اختصاص كل سورة بما خصت به أن اسم الدار لفظ يقع على المنزل الواحد والمسكن المفرد ويقع على مساكن القبيلة والطائفة الكبيرة وإن اتسعت وافترقت وتعددت مساكنها وديارها إذا ضمها إقليم واحد واجتمعت في حكم أو مذهب، وإذا تقرر هذا فوجه اختيار لفظ الجمع في الآية من سورة هود مناسبة ما اقترن به من لفظ الصيحة وهى عبارة هنا عن العذاب مطلقا دون تقييد بصفة وهو من الألفاظ الكلية فإن لم يكن عاما فانتشار مواقعه من حيث الكلية حاصلة.
وأما الرجفة الزلزلة فلهذا اللفظ خصوص وهو جزئى ومن المعلوم بالضرورة انحصار الألفاظ في الضربين فإن اللغة لا تختلف في ذلك فالصيحة من حيث الكلية تطلق على ما كان من العذاب بالرجفة وغيرها وإذا عبرنا بالرجفة لم يتناول لفظها إلا ما كان عذابا بها فناسب عموم الصيحة جمع الديار مناسبة تركيب النظم وناسب خصوص الرجفة إفراد الدر.
ثم إن وجه تخصيص سورة هود بما وقع فيها أنه ذكر قبلها من مرتكبات قوم شعيب وسوء ردهم على نبيهم عليه السلام ما لم يرد مثله في آية سورة الأعراف وتأمل قولهم له: {ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز}، فتأمل ما في ردهم هذا من الاستهزاء والإساءة وشنيع المقابلة لجليل وعظه عليه السلام، لهم ورأفته في دعائهم إياهم بقوله: {إنى أراكم بخير وإنى أخاف عليكم عذاب يوم محيط} وقوله: {بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ} وقوله: {أرأيتم إن كنت على بينة من ربى ورزقنى منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت} وقوله: {ولا يجرمنكم شقاقى أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح} وقوله: {واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربى رحيم ودود}.
فما أجل تلطف هذا النبي الكريم في دعائه إياهم وما أشنع ردهم عليه فلهذا ما عبر عن عذابهم وأخذهم هنا بأعم مما ورد في غير هذه الآية ولما لم يرد في غيرها مثل هذا في الدعاء والجواب ناسبه اللفظ الأخص رعيا لإحراز النظم الجليل وعلى تناسبه مع أن لا كبير اختلاف في المعنى الحاصل عن العبارتين والله أعلم.
وجواب ثان في اختلاف الوارد فيما أخذ به قوم شعيب وهو أن يكون المراد أخذهم بضروب من العذاب لقبيح مرتكبهم وسوء ردهم على نبيهم فبين ذلك قوله تعالى في سورة الشعراء: {فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة} والظلة غيم تحته سموم فهذا ولا غير الرجفة لأنها زلزلة فعلى هذا يكونون قد أخذوا بعذاب الزلزلة وعذاب الصيحة وهو عذاب يصحبه صوت وعذاب الظلة فورد ذلك على التدريج والتناسب بحسب ما ذكر قبل كل من هذا من مرتكباتهم وقد ذكر المفسرون تنوع عذابهم بالرجفة والصيحة والظلة كما امتحن آل فرعون بالطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمسة. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

قوله: {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} قال الفراء والزجاج هي الزلزلة الشديدة يُقالُ رَجَفَتِ الأرْضُ تَرْجُفُ رَجْفًا وَرَجيفًا ورجفانًا قال تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الأرض والجبال} [المزمل: 14].
وقال اللَّيثُ: الرَّجْفَةُ: الطَّامة التي يتزعزع لها الإنسان ويضطرب.
ومنه قيل للبحر رجَّافٌ لاضطرابه.
وقيل: أصله مِنْ رَجفَ به البعيرُ إذا حركه في سيره، كما يرجف الشجر إذا رجفه الريح.
قال ابن أبي ربيعة: [الطويل]
ولمَّا رَأيْتُ الحَجَّ قَدْ حَانَ وَقْتُهُ ** وَظَلَّتْ جِمَالُ الحَيِّ بالقَوْمِ تَرْجُفُ

والإرْجَافُ إيقاعُ الرَّجْفَةِ، وجمعه الأرَاجِيفُ، ومنه الأراجِيفُ ملاقيحُ الفتنِ.
وقوله: {تَرْجُفُ الراجفة} [النازعات: 6].
كقوله: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1].
ومنه [الطويل]
تُحْيِي العِظَامَ الرَّاجِفَاتِ مِنَ البِلَى ** فَلَيْسَ لِدَاءِ الرُّكْبَتَيْنِ طبِيبُ

قوله: {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} يعني في بلدهم، كما يقال: دار الحرب، ودار البزّازين.
الجثوم: اللُّصوق بالأرْضِ من جثوم الطَّائر والأرْنَبِ، فإنَّهُ يلصق بطنه بالأرْضِ، ومنه رجل جُثَمَةٌ وجثَّامَةٌ كناية عن النَّؤوم والكَسْلان، وجثمانُ الإنسان شَخْصُه قاعدًا وقال أبو عبيد: الجُثُوم للنَّاس والطير كالبرول للإبل وأنشد لجرير: [الوافر]
عَرَفْتُ المُنْتأى وعَرَفْتُ مِنْهَا ** مَطَايَا القِدْرِ كالْحِدَأ الجُثُومِ

قال الكَرْمَانِيّ: حيث ذُكِرَت الرجفة وُحدت الدَّار، وحيث ذكرت الصيحة جُمِعَت الدار، لأنَّ الصيحة كانت من السماء فبلوغها أكبر وأبلغ من الزلزلة، فذكر كل واحد بالأليق به وقيل: في دارهم أي في بلدهم كما تقدَّم، وقيل: المراد بها الجنس.

.فصل في بيان فائدة موضع الفاء في الآية:

الفاء في {فأخذتهم} للتَّعقيب، وقوله: {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} يقتضي أنَّ الرَّجفة أخذتهم عقيب قولهم: {ائتنا بِمَا تَعِدُنَا} وليس الأمر كذلك لقوله تعالى في آية أخرى: {تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذلك وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود: 65].
فالجوابُ: أنَّ أسباب الهلاك وجدت عقيب قولهم: {ائتنا بِمَا تَعِدُنَا}، وهو أنَّهم اصفرت وجوههم في اليوم الأوَّل، واحمرّت في اليوم الثاني: واسودَّت في اليوم الثالث، فكان ابتداء العذاب متعقبًا قولهم.
ويمكن أن تكون عاطفة على الجملة من قوله: {فَأئْتِنَا} أيضًا وذلك على تَقْديرِ قرب زمان الهلاك من زمان طلبِ الإتيان.
ويجوز أن يقدر ما يصحُّ العطف عليه بالفاءِ، والتقديرُ: فوعدهم العذاب بعد ثلاث فانقضت فأخذتهم.
قوله: {فَأصْبَحُوا} يجوز أن تكون النَّاقصة و{جَاثِمينَ} خبرها و{في دَارِهِم} متعلّق به، ولا يجوز أن يكثونَ الجارُّ خبرًا و{جَاثِمِين} حال، لعدم الفائدة بقولك: {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}، وإن جاز الوجهان في قولك: أصبح زيد في الدَّار جالسًا.
ويجوز أن تكون التامة، أي: دخلوا في الصباح، و{جَاثِمِينَ} حال، والأول أظهر.
أهـ.. باختصار يسير.